الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

نظرة الغربي للعربي.. بدوي يمتطي البعير ويعيش في الخيمة



ظلت أوروبا قرونا تؤمن بأن عدد أسنان الرجل أكبر من عدد أسنان المرأة؛ لأن أرسطو قال هذا.. أحد المفكرين المعاصرين يعلّق على هذا الأمر قائلا: كان يمكن ألا يحدث هذا لو كان أرسطو طلب من "مدام أرسطو" أن تتفضّل بفتح فمها ليعدّ أسنانها! المثير أن السلطات المدنية والدينية لم تحاول مرة واحدة أن تقترح على الشعب أن يعدّ كل من رجاله ونسائه أسنانهم؛ للتأكد من تلك المعلومة!

أعتقد أن النظرة المتبادلة بين "العامة" في الجانبين -العربي والأمريكي- تعاني مشكلة مماثلة!
بدوي جِلف يمتطي البعير ويعيش في خيمة منصوبة في ظل أبي الهول، لديه أربع زوجات وجيش من الجواري، وكلما وقفت ذبابة على أنفه يمتشق سيفه وهو يصيح "الله أكبر!".

ربما تبدو هذه صورة كاريكاتورية نوعا، ولكنها -مع الأسف- متوفّرة بشدة لدى الكثير من الأمريكيين، هي وكثير من الصور النمطية السطحية الساذجة عن العرب، والآخر بشكل عام. أذكر أن الدكتور علاء الأسواني ذكر في ندوة له أنه خلال دراسته في جامعة إلينوي سأله بروفيسور عالمي بكل جدية إن كان المصريون لا يزالون يعيشون في أهرامات! أما الدكتورة "زينب أبو المجد" -الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- فتقول في كتابها الممتع "يوميات أبلة في أرياف أمريكا" إنه في أحد المقاهي حرصت نادلة المقهى على أن تشرح لها كيفية عمل براد الشاي فور علمها بأنها -أي الكاتبة- عربية!

أما عن شهادات الجانب الأمريكي فيقول الكاتب الأمريكي "جون لويس إسبوزيتو" -صاحب كتاب "الخطر الإسلامي خرافة أم حقيقة"- إن الأمريكيين لديهم حالة تعميم للتصنيفات والأحكام على العرب والمسلمين، رغم تنوّع التيارات السياسية والدينية والفكرية بينهم". والممثل "بيتر ويلر" يشكو من أن كثيرا من الأمريكيين لا يعرفون شكل الخريطة خارج الولايات المتّحدة، ويعتقدون أن إيران بلد كبير يضمّ كل العرب والمسلمين، ويضيف أن ثمة تفكيرا جدّيا من الإدارات التعليمية الأمريكية لإلغاء مادة الجغرافيا، باعتبارها ليست بأهمية العلوم "العملية" كالكيمياء والرياضيات!

كيف يمكن لدولة تقود النظام العالمي أن يكون أغلب شعبها بهذا الجهل؟ كيف تعجز أقوى دولة في العالم عن أن تقوم مؤسساتها التعليمية والتثقيفية بدور إيجابي في إزاحة تلك "الضلالات" عن عقول ملايين الأمريكيين؟ الجواب ببساطة يتلخص في نقطتين: أولاهما أن نمط الحياة الأمريكية يجعل المواطن المتوسط ثورا في ساقية يعمل ليسدّد أقساط البيت والسيارة وفواتير الكهرباء والماء والغاز، فضلا عن الضرائب، ولا يدع لدى شريحة عريضة من الأمريكيين ترف تقصّي الحقائق، أما النقطة الأخرى فهي قوة قبضة الإعلام الأمريكي على عقول الأفراد لخدمة تحالف المؤسسات السياسية والاقتصادية المحرّكة للسياسة الأمريكية، التي تقتضي في العقود الأخيرة توجيه الرأي العام الشعبي للاقتناع بنظرة معينة تخدم "أصحاب المصالح العليا"، ومن يرغب في الاستزادة بهذا الشأن عن طرق تلك المؤسسات أحيله لكتاب الدكتور جلال أمين "عصر الجماهير الغفيرة".

صحيح أن ثمة قنوات تثقيفية ومواقع إخبارية تحاول تقديم مادة ثقافية محترمة، ولكنها مقصّرة جدا من حيث عرض "أنماط الحياة" -وهو موضوع التشويه سالف الذكر- فضلا عن أن المواطن المتوسط غالبا ما يتمّ اجتذابه لمواد أكثر تسلية وأقلّ إشغالا للعقل!

أودّ هنا أن أنبّه على أن هذا المقال ليس غرضه أن أعطي القارئ أفيونة تجعله يشعر أننا عباقرة لم "تلدهم ولّادة" في حين أن الآخر "حمار جرّ"، بل إن لنا نصيبا كبيرا من الخطأ في موضوع حديثي، وأعني به حالة الجهل شبه التامّ الغالبة على نظرة رجل الشارع ا لامريكي العادي لنا نحن
العرب.

تعالوا نعترف أننا نتحمّل جزءا كبيرا من المسئولية، فما هو موقع الإعلام الموجّه للخارج من الإعراب، فيما يتعلّق بالجهات الإعلامية العربية التي بلغ إنفاقها على المسلسلات في شهر رمضان وحده حوالي المليار جنيه؟! ونحن لا تنقصنا الكوادر الإعلامية ولا الكفاءات الثقافية لذلك، فهل من مبرّر معقول مقبول لهذا التقصير من جانبنا؟ إن سوء النظر الغربي للعرب والمسلمين قديم قدم الحملات الصليبية، ولكنهم قديما أجادوا التعامل مع ذلك ثقافيا، بشكل نال اعتراف الخصوم أنفسهم، فبم نفسّر عجزنا أمام التاريخ الذي لا يرحم؟

لدينا إذن تشويه منظّم من جانب وإهمال جسيم من جانب آخر، يبدو أن الحديث الجدّي عن "حوار الحضارات" أمامه طريق طويل، فالمفترض بهذا الحوار ألا يقتصر على الطبقة المثقّفة من الجانبين، بل يشمل الطبقات المتوسطة والبسيطة أيضا، ودون تعامل على هذا المستوى مع المشكلة، فسيبقى دوما الأمر عبارة عن سوء ظنّ ونظرة سلبية، وتصوّر سطحي متبادل بين "البدوي" و"الخواجة"!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق