هل تحرق كتبك ؟

 

 

قرأت ذات مرة أنه إذا كان حرق الكتب جريمة ,, فتركها علي رفوفك هي الجريمة الأشد 

 

هل بالفعل أحتاج لتعلم أو "الإنشغال بتعلم" كل هذا الكم المتزايد من التقنيات الجديدة يوماً بعد يوم .. ورغبتي في معرفة الجديد تلح علي بتعلم المزيد .. عليك أن تتعلم الكثير والكثير …. وتنوء عضلات العقل تحت وطأة الحمل الذي يفوق الوصف …

والمشكلة هنا يا عزيزي ليست في أنك مجبر علي تعلم وإجادة كل هذا .. بل هي بمثابة قطع الحلوي بعدما امتلأ فمك بالملح .. بمعني آخر .. تعلم وإتقان تقنية جديدة لهي لذة لا توصف بحق .. ولا يعادلها أية لذة أخري (ربما في الكون بأسره) .. لا أراك تتعجب فأنا موقنٌ من إدراكك الكامل لتلك الشهوة .. شهوة القراءة وتعلم المزيد .. أتحدث عن التقنيات التي تخص عملي .. لم أتحدث بعد عن الكتب والمعلومات في أي مجال آخر بعيداً عن العمل .. أمامك الكثير من الكتب في مجالات متعددة مما تقفز لها عينيك من محجريهما عندما تراها مستقرة تطالعك بدلال بين رفوف المكتبات .

ولكن …

ولكن تهديدات التخمة المعلوماتية تحيط بك من كل جانب …. حسنا …. دعنا من الفذلكة والمصطلحات المستوردة .. ولكن ألا تري بحق أن الكم يفوق معدة عقلك علي الإستيعاب الجيد .. اللعنة علي كل قارئ خلاصات .. اللعنة علي كل مواقع الكتب المجانية (والغير مجانية) .. ليس كماً .. ليس عدداً .. ليست أرفف مملوءة وحسب .. أين تلك العلاقة الودودة بينك وبين كتبك ؟! .. وأين تلك العلاقة وأنت لاتري كتابك إلا مرتين .. مرة حال شرائه ومرة حال قراءته – إن قرأته – .. لامزيد من الوقت لإعادة القراءة …. ولكن لا علم إلا بالإعادة والتكرار وسبر أغوار ما تقرأ  لتحقيق الإستيعاب .. الموضوع أشبه بما ذكره جلال آمين علي لسان جورج أوريل "الكتاب الجيد هو ما يقول لك ما كنت تعرفه من قبل" …

أذكر كتباً قرأتها وكنت صغيراً بدقة تكاد تكون حرفية .. ولا أذكر كتاباً قرأته من عام مضى , وهذا ببساطة لأنني كنت أعيد قراءتها مرات ومرات ريثما يتيسر لي اقتناء المزيد من الكتب ….. ماذا قلت ؟! .. "اقتناء" .. إنها شهوة الإقتناء المريضة التي لا ينجو منها أحد .. تُغافلها في كماليات حياتك , وتقول أنا انسان بسيط لا أهتم بالكماليات ولا بشهوة الإستهلاك ولا الإمتلاك .. بينما هي تتسلسل إليك بخفة الزئبق لتظهر في جانب آخر من جوانب حياتك .. وفي حالتنا هذه ظهرت في إقتناء الكتب أو المعلومات .. أحدهما أو كلاهما .

ما الذي يجعلني أضيف سلسلة رواية (twilight) لحسابي في Goodreads .. هل سألت نفسي للحظة عن سبب إضافتي لها غير أن أكون رقم واحد بعد السبعة عشر مليوناً في العالم بأسره الذين اقتنوا تلك الرواية.. نعم شاهدت الجزء الأول من الفيلم واستمتعت به أيما استمتاع (ليس للقصة ولكن لإخراجها كعادتي) وأعجبني , وأنتظر الجزء القادم …. وكفي .. ما الداعي اذا أن أضيفها لتدخل في قائمة الإنتظار ؟! .. قائمة إنتظار طويلة .. فيها الرث وفيها السمين .. دعك الآن من أهمية الإبتعاد عن علمٍ لا ينفع .. فلتذهب الفائدة المرجوة إلي الجحيم … ولتزدادي طولاً يا قائمة الإنتظار .. ولتردد وعدك لنفسك بقراءة كل هذا ….. يوماً ما .

قرأت عن لغة البرمجة (Haskell) .. وفي الحال وبعد قراءة عدة مقالات عنها , تندفع هرمونات القراءة ومحفزات التعلم من مركز الجمجمة إلي سائر الجسد .. ومن ثم إلي الأصابع بالطبع .. ومن ثم إلي قائمة الإنتظار بكل تأكيد .. فقط لأضيف (Haskell) إلي القائمة .. ولم اسأل نفسي ولو للحظة , ما هي القيمة المضافة لتعلمها .. ماذا سأجني من ذلك بالفعل ؟ .. لا أقلل من قيمتها بالطبع كلغة أو علم , ولكني لم أبحث أولاً عن الذي فشلت اللغات المتداولة في حله وتأتيك (Haskell) برأسه .

هناك طريقين للجهل أن تهجر الكتب أو أن تحيطها حولك من كل جانب وقد أحرقتها بعدم قراءتها .. عندما أقتني كتاباً لمجرد أنه مشهور واقتناه الكثيرون فسوف أسأل نفسي قبلها سؤالاً .. هل بحثت عن مراجعات وآراء وتعليقات حول هذا الكتاب؟ .. هل أيقنت انه يحمل لي غداً أفضل أو رؤية أوضح أو اقتراب من حكمة؟ .. بل هل تأكدت أن ليس بالكتاب سًماً فلبعض الكتب سموم لا تزول آثارها إلا بصعوبة .

لن أقتني كتاباً لا يبرز لي بفائدته حال رؤيته .. سأخبرك شيئا ,, سأنطلق الآن إلي حسابي في (Goodreads) وأتفحص قائمة الكتب التي نويت قراءتها .. كتاباً كتاباً .. وسأطرد الكثير من الكتب .. ولاكتاب جديد إلا بجواز مرور .. وسأبدل كل وجميع الكتب التي لم ولن أقرأها .. سأبدلها غير آسف عليها .. إنها لي "علمٌ لايفيدني" .

وعن كتب التقنية والبرمجة .. فلسوف أقرأ الكتاب أولا ثم اشتريه ثانية .. لا مجال هنا للحديث عن حقوق الملكية وما إلي ذلك .. جميعنا نمتلك المئات وربما الآلاف من الكتب الإلكترونية .. اذا قرأت كتاباً كاملاً سأدفع لك ثمنه استفدت منه أم لم استفد .. اذا استفدت من كتابك فائدة حقيقية ولو بسطر فسأدفع لك ثمنه .. اذا لم أقرأه فهو إذن نسخة إلكترونية قابعة هنا أو هنالك في قرصي الصلب , ولعلي لا أدري عنها شيئا أو نسيت وجودها إلي أن يأتي ذلك اليوم الشهير الذي تعيد فيه تقسيم قرصك الصلب .. لكن أن يسيل لعابي علي كم من كتب البرمجة فأشتري وأشتري ؛ فلن أقرأ ولن أتعلم شيئاً .

أما قارئ الخلاصات فدعوه لي .. ما كل هذه الخلاصات ؟! .. ما كل هذه المواقع والمدونات التي أضفتها لقارئ الخلاصات ؟! .. ما كل هذا الكم ؟! .. مدونات تقنية وشخصية ومواقع ومنتديات .. اللعنة علي كل المنتديات .. سأحذفها جميعاً .. سأحذفهم جميعاً .. ولن أدخل جوف عقلي إلا ما يستحق .. فقط ما يستحق . كيف يسعني بالله عليك أن أراجع "فقط" في اليوم ألف عنوان جديد في قارئ الخلاصات , ولم اقرأ شيئاً بعد .. الكارثة أن المحتوي الجيد الثمين يضيع بين كل هذا الكم .. المحتوي الذي تحتاجه بالفعل والذي يملك لك مفتاحاً لمعرفة حقيقية ولها فائدة منشودة .

.

.

.

السؤال الآن هل تحرق كتبك ؟

ان اعجبك موضوعنا فنرجوا ان تنشره :

إرسال تعليق

 
الحقوق: copyright © 2011. مدونة فضفضة -تعريب مدونه فضفضه